الامانة العامة التأسيسية
مازالت معاناة السوريين التي تتفاقم في الداخل والخارج تستدعي منهم أكثر فأكثر التداعي لجهود جماعية يشترك بها بكل فئاتهم وأطيافهم، ويعمل الجميع لمستقبل يشمل السوريين على أرضهم الواحدة شعباً واحداً في وطن يسعهم جميعاً دون تهميش أو إقصاء أو تمييز.
ويزداد الوعي لدى فئات عديدة من السوريين بأن خلاص سورية رهنُ بتوافق أبنائها أولاً وقبل أي عامل آخر، إذ إن حال السوريين متقارب في المعاناة واستمرار انتهاك مقومات العيش الكريم في ظل سلطات الأمر الواقع التي تحاول أن تستديم الحالة الراهنة من دمشق إلى باقي المناطق، وتركن إلى بقاء واقع الاستنزاف لما بقي من مقدرات السوريين، والتعطيل لطاقاتهم وتعويقها عن البناء والتنمية، وإلهائها بحلول مؤقتة، وحياة لا تكفل حاضراً طبيعياً ولا تؤسس لمستقبل واعد.
كما أن واقع سوريي مخيمات اللجوء أسوأ من حال سوريي الداخل في كل مناطق سلطات الأمر الواقع، وكذلك فإن سوريي دول الجوار، يتشاركون في قلق الحاضر وضبابية المستقبل، ومقاساة “اللا وطن”، ويعانون من التضييق، ومن مضاعفات النزوع العنصري وتجاذبات الأوضاع الداخلية في مختلف دول الجوار، وهواجس منعكساتها على حياتهم الهشة ومستقبلهم الغامض.
وكل ذلك يؤكد بأن حالة “الهدوء النسبي” التي تم رسمها للمشهد السوري من خلال جهود “احتواء الثورة” هي حالة لا يمكن أن تستمر، وهي حالة لا ترهق السوريين فحسب بل هي واقع مفروض يستنزف الجميع، وهو بالتالي عبء على الجميع، وأنه لا بد من الخروج من حالة “اللا حل” من خلال تكاتف السوريين لتوليد حل جذري مستدام يتأسس على أن سورية واحدة بأرضها وشعبها، كما صرخت حناجر السوريين في كل أرجاء سورية ” واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”.
ويـتأكد للسوريين يوماً بعد يوم أنه لا خلاص لسورية ولا استقرار في المنطقة إلا بانتقال سياسي ناجز يحقق للسوريين دولة مدنية ديموقراطية تؤسس على الإرادة الحرة لعموم السوريين، وتحتكم لإرادتهم، وما سوى ذلك من مساعي لتسويات قسرية ليس في مؤداها إلا ترقيعٌ يُرحِّل الأزمة إلى المستقبل، ويهدد بزج سورية والمنطقة في أتون محرقة جديدة.
وهو ما لم يتحقق بسنوات شراء الوقت وتمييع الجهود الرامية لمعالجة الواقع السوري من خلال الجهود الديبلوماسية التي ركزت على الموضوع الدستوري وحده ووفقاً لآليات لم تلحظ تشميل الإرادة الحرة لعموم السوريين، واعتبار النزيف الحاصل لكل السوريين جراء إطالة زمن ” اللا حسم”.
ونعتقد أن الدفع باتجاه الخروج من هذا النزيف السوري والأرق الإقليمي يمر عبر جهودٍ سوريةٍ واعيةٍ بأهمية تكاتف السوريين، وتنطلق من الوعي بأن أي حلٍ رهنٌ باعتبار كل السوريين، ويتوجه لهم دون انتقاص أو تمييز، ويعتمد مبدأ تحقيق العدالة الانتقالية، وتأمين جبر الأضرار للجميع، وأنه وإن لم تنجح الكثير من المحاولات والجهود لتحقيق لذلك فلابد من استمرار السعي لتحقيقه، ولابد لذلك من جهود مدنية واسعة توظف الطاقات والجهود، وتراكم الإنجازات لرفع مستوى وعي السوريين بأهمية تكاتفهم وتعاونهم على المشتركات التي تكفل لهم وطناً عزيزاً حراً مستقلاً مستقراً سيداً على أرضه، يتمتع فيه كل سوري بالكرامة والأمان، وتتفهم ضرورة تحييد المسائل التي تحتاج للاحتكام إلى الإرادة الشعبية إلى وقتها وظرفها الملائم، مع توفير البيئة اللازمة للبناء على الإرادة الحرة للسوريين والاحتكام إليها.
ولذلك فإننا ورغم الظرف الصعب والدقيق الذي يحيط بواقعنا كسوريين، وتعقيد العوامل التي تقيد حراكهم نحو بناء مستقبلهم فإننا نطلق مبادرتنا أملاً بتأسيس مساحة مشتركة تستوعب الجميع وتغتني بهم ولا تنكفئ بسبب فروقاتهم، وسعياً لتصليب توافقنا كسوريين على ما يوجِّه الطاقات ويصب الجهود نحو مستقبل لابد لنا منه ولا بديل عنه.
ورغم كل المعوقات وتداخل العوامل وتعقيد المشهد الدولي والإقليمي والمحلي فإن أملنا كبير بأن ننير شمعة على هذا الطريق، وأن ننجح في ضم جهودنا مع مختلف الجهود الصادقة في الوصول إلى سورية الجديدة التي خرجت لأجلها جموع السوريين وضحت بالغالي والنفيس أملاً بذلك الغد الذي نريده لأجيالنا القادمة بلا استبداد أو انتهاك، سورية الواحدة والوطن لجميع السوريين والدولة تقف على مسافة واحدة من مواطنة الجميع وتسعى لهم جميعاً، ولتعود سورية كما كانت عبر تاريخها العريق بلداً مساهماً في الحضارة والجهود الرامية لازدهار الإنسان واحترام إنسانيته..