بقلم د.باسم معراوي

علم الجميع التفويض الامريكي (والدولي ايضا) بدور روسي رئيسي في سورية بحيث اصبحت روسيا هي مديرة الحل في سورية ..
تغاضى المجتمع الدولي عن مجازر ارتكبها الطيران الروسي والميليشيات على الارض على امل تعديل موازين القوى العسكرية على الارض التي كادت ان تودي بالنظام السوري خلال اسبوعين لولا التدخل العسكري الروسي المباشر ب30 ايلول 2015
وعندما تبين ان الحرب الروسية في سورية ليس غايتها اقرار سلام او حل يكون فيه خطوط رئيسية من القرار الدولي الذي صاغته روسيا 2254 بيمينها..بل اخذتها العزة بالاثم لتجاوزه ورميه في قارعة الطريق بمحاولة حسم الحرب السورية عسكريا لصالح حليفها نظام الاسد وفرض امر واقع على الارض سيضطر الجميع للقبول به والتعامل معه وبالتالي املاء ارادتها على كل الاطراف الفاعلة محلية كانت او إقليمية او دولية…
تموضعت الولايات المتحدة في شمال شرق سورية بينما تمكن الاتراك وحلفاءهم السوريين من التموضع في الشمال الغربي وعدم تمكين الروس من ابتلاع كامل الارض السورية…
حاول الروس عسكريا مرتان للحسم العسكري بعد ذلك التموضع ..فعندما اجتازت ميليشيات فاغنر ومليشيات ايرانية واسدية نهر الفرات باتجاه حقول نفط دير الزور تبخرت تلك القوات وتم ابادتها جميعا وفهم الروس الرسالة وابتلعوا الهزيمة ..
نفس المحاولة حدثت بشكل مشابه بعد تمادي الروس في خرق تفاهمات استانة وسوتشي مع الاتراك عندما كان الهجوم على جبل الزاوية بذروته بعد احتلال معظم ارباف ادلب وحماة وحلب ..وتم قتل 35 جنديا تركيا على امل إنسحاب تركي من المعركة ..حدث مالم يتوقعه او يشتهيه الروس وادخل الاتراك فرقة عسكرية كاملة بعد معركة شرسة وقصيرة مع قوات النظام والقوات الايرانية..كان نتيجتها تثبيت خطوط القتال الحالية ..وانهيار او تاجيل الاحلام الروسية بحسم عسكري للحرب لم يتمكنوا منه في الشمال السوري بشرقه وغربه
لم يتمكن الروس من تحويل انجازهم العسكري لاي انجاز سياسي ..وكانت الحالة الاقتصادية والمعيشية لمناطق سيطرة النظام تزداد تدهورا دون ان تستطيع حلها او على الاقل ايقافها..
وضعت الولايات المتحدة قانون قيصر كتعطيل لكل اوهام حل روسي منفرد في سورية وكان التناغم الغربي مع الولايات المتحدة بلاءاتها الثلاث…
لا للتطبيع مع النظام.
لا لعودة اللاجئين.
لا للإعادة الإعمار .
ادخلت تلك اللاءات وعدم امتلاك الولايات المتحدة لاستراتيجية اتجاه سورية بل المنطقة حيث كانت واشنطن محتارة ببن البقاء او الانسحاب من الشرق الاوسط..بهذه السياسة الامريكية الضبابية والعجز الروسي تمت ادارة المشهد السوري بإدارة ازمة ريثما بستجد جديد…وكانت اقنية التواصل والتفاهمات بالحد الادنى مفتوحة بين الجانبين ولم يتعدى ذلك تنسيقا امريكيا مع الروس حول مسلسل ادخال المساعدات الاممية عبر الحدود والخطوط اضافة لتفادي التصادم العسكري بين قوات البلدين على الارض السورية
فيما كان الروس يمعنون في خنق كل القرارات الدولية ومحاولة قتلها عبر مسار استانة الثلاثي والذي حاولوا تجاوز كل طروحات جنيف بل واختزلوا ذلك المسار البائس اليائس باستولاد لجنة دسنورية من رحم سوتشيوكانت كالبجعة السوداء… واستطاعوا فرضها على الامم المتحدة وادارة عملية المفاوضات بها ومن خلالها أملوا بتحقيق اختراقات كانت اشبه بالاوهام الروسية والتي كانت تتكسر على اعتاب الاصرار الغربي بعدم تعويم الحل الروسي في سورية
وقعت الواقعة..واشتبك الروس مع الغرب الجمعي بحرب ضروس..ولان اوكرانيا وسورية كانتا مترابطتان بالاستراتيجية الروسية فانهما بالتاكيد ستتاثران بنتيجة الحرب وستظهر نتائج الانتصار او الاندحار الروسي في اوكرانيا على سورية.
منذ الايام الاولى للحرب في اوكرانيا سعت الولايات المتحدة لحصر الصراع العسكري ضمن الارض الاوكرانية وعدم امتداده للخارج ونجحت حتى الان في ذلك ..فيما تمارس حربا سياسية ودبلوماسية واقتصادية وشتى الادوات التي تستخدم بالحرب الناعمة في كل ارجاء المعمورة
ولان روسيا تتواجد بشكل مؤثر خارج اطار ماكان يعرف بالاتحاد السوفييتي في سورية ويعتبر تواجدها بسورية رافعة لمشروعها العالمي الذي كانت تخطط له بتحولها لقطب ثاني مع الولايات المتحدة واستطاعت بتواجدها في سورية من بناء علاقات متينة مع القوى الرئيسية والمؤثرة بالمنطقة ..
ازداد دفء العلاقة بين روسيا وايران في سورية وتشاركا المعركة برا وجوا وكان لايمكن لاحدهما الاستغناء عن الاخر…
وتمكنت روسيا من تحويل الارث التاريخي الثقيل بينها وبين تركيا وتوصلت لعلاقة قوية مع احدى دول الناتو الرئيسية بل وصل التنسيق بينهما الى قدس اقداس الدول وهو التعاون التسليحي..
وطد الروس علاقتهم مع دولة الاحتلال الاسرائيلي وكانت العلاقة الشخصية بين بوتين ونتينياهو تنعكس على سياسة البلدين..
وتمكنت روسيا من اختراق جدار الخليج العربي الذي استعصى على اسلافهم السوفيبت وانشؤوا علاقات مهمة توجت مؤخرا باوبك بلس التي مازالت صامدة كاحد اوجه التعاون السعودي الاماراتي الروسي بوجه العواصف الامريكية التي حاولت هدمها
يمكننا القول ان الدور الروسي بالشرق الاوسط قد كان وسيط القوة الذي بدوره يستطيع ادارة وسائط القوة في المنطقة دون الانفلات ولكن تحت الهيمنة الروسية وبرعايتها..وكانت كل الاطراف بحاجتها
واذا ما صحت التحليلات والتي ترى ان انهاك الروس واستنزافهم في اوكرانيا وقصقصة شتى انواع التمدد الخارجي عسكريا كان ام اقتصاديا ام سياسيا ودفعهم الى داخل حدود روسيا هي سياسة الولايات المتحدة وحلفاءها الجاري تنفيذها ..ويبدو ان هذا ما يحصل الان…فان المناكفة الغربية مع الروس في سورية ستتحول الى حرب باردة تجبر الروس على التقهقر الى داخل حدود دولتهم حيث ان الوجود الروسي في سورية استراتيجي لها ويرمز الى روسيا كقوة عظمى وتتحكم بمنابع الطاقة وطرق توصيلها خاصة اشرافها على الحوض الشرقي للمتوسط كنز العالم الغازي …
يمكننا اعنبار ان الاتصالات والتفاهمات الروسية الامريكية في سورية قد انتهت..وان بقي منها شيء فاظنه عسكريا وضروريا فقط وفي حدوده الدنيا…
وما نشهده على الساحة السورية الان من صرعات على الاستحواذ على الحل السوري بين محور استانة بزعامة روسيا ومحور جنيف بزعامة الولايات المتحدة هو احد تجليات الحرب الباردة بين المعسكرين
ونستطيع القول الان ان الحل السوري المرجو قد وضع في ثلاجة تساوي حرارتها حرارة الشتاء القادم على اوربة وحرب الناتو مع الروس في صقيع الشتاء القادم والذي سيحدد نتيجة الحرب وبموجبها سيتم اخراج الملف السوري من الثلاجة ببداية الربيع القادم لتعكس طاولة الحل توازن القوى على الارض.

د. باسل معراوي