ميثاقنا

مبادرة المساحة المشتركة

 

المادة الأولى: السياق التاريخي

شهدت سوريا في تاريخها الحديث عهوداً طويلة من التسلط العسكري تخللتها فترات قصيرة من التجارب الديمقراطية وحركات النضال السياسي التي لم يحالف معظمها النجاح. تشكلت الدولة السورية الحالية في أربعينيات القرن الماضي ضمن جزء من جغرافيا سوريا التاريخية وبلاد ما بين النهرين (الجزيرة الفراتية)، لتضم هذه الدولة الوليدة قوميات وأعراقا وطوائف دينية متعددة. وخلال الفترة التي سبقت جلاء المستعمر الفرنسي وصولا الى الاستقلال تشكلت حركة سياسيّة طموحة تبنت نظامًا ديمقراطيا جمهوريًا برلمانياً دعم حرية الإعلام وشجع حرية التعبير. إلا أنه وبعد الاستقلال بأقل من ثلاث سنوات أُجهضت الحياة السياسية الديمقراطية الواعدة وعاش المجتمع المدني السوري انتكاسته الأولى مبكرا، إذ هيمن الجيش على السلطة فبدأت دوامة الانقلابات العسكرية (مارس 1949م) وصولا الى انقلاب البعث (1963م) ضد آخر حكومة منتخبة ديمقراطيا في تاريخ سوريا.

انفرد حافظ الأسد بالسلطة في سوريا سنة 1970 وهيمن بشكل مطلق على مفاصل الدولة السورية، فقمع كل محاولات الشعب السوري الساعية للتحرر مرتكبا سلسلة من الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين الأبرياء كان أبرزها مجزرة حماة الشهيرة (1982م) التي سقط فيها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء واعتقل أو غيب قسريا الآلاف كذلك. استمرت عائلة الأسد في السلطة بعد موت الأسد الأب (2000م) حيث نُصِّب ابنه بشار الأسد رئيساً بعد إجراء تغيير تعسفي في الدستور السوري تم بموجبه تعديل شرط الحد الأدنى لعمر الرئيس ليتوافق مع عمر بشار الأسد، لتتبدد معه الآمال في حصول تغيير سياسي حقيقي في ظل استمرار السياسات القمعية على نمطها المعهود، فلم يتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين كانت تقدر أعدادهم بالآلاف (بلى نفى بشار وجودهم أصلا)، ومورس النهج القمعي نفسه تجاه أي حراك يدعو للإصلاح والتغيير وهو ما جسده القمع الوحشي لما عرف بربيع دمشق وانتهاءً بأحداث القامشلي سنه 2004.

وبرغم التاريخ الطويل من القمع والكبت، إلا أن الشعب السوري لم يفقد الأمل في تحقيق التغيير المنشود عبر استمرار الكفاح، حيث انتظم -مع شعوب المنطقة العربية التي طالبت بالتغيير- فيما أصبح يعرف بالربيع العربي وانطلق مجدداً ينادي بضرورة تحقيق إصلاح سياسي شامل مؤذناً بإطلاق شرارة الثورة السورية (آذار 2011) والتي شارك فيها أغلب مكونات الشعب السوري في كافة المناطق ومن مختلف الانتماءات، والتزم المتظاهرون خلالها بالمظاهرات السلمية فقابلهم النظام بكل أشكال العنف مستخدما إمكانيات الجيش وكامل عتاده وباشراف الأجهزة الأمنية وتحت أعين مراقبين من جامعة الدول العربية وآخرين دوليين.

بدأت حركة انشقاقات متواصلة للألاف من الضباط والجنود ممن رفضوا الانخراط في المجازر والانتهاكات ضد المدنيين العزل وأعلن هؤلاء (29/7/2011) عن تشكيل الجيش السوري الحر بهدف الدفاع عن المدنيين بعد أن أمعن النظام في القتل والإجرام، فانتقلت الثورة من مرحلة الحراك الثوري السلمي الى مرحلة الصراع المسلح. وتعقد الموقف لاحقا مع تدخل مليشيات حزب الله اللبناني ومليشيات طائفية أخرى من العراق وإيران إلى جانب جيش النظام ومليشياته في الصراع مرتكبة سلسلة من المجازر والانتهاكات ضد سكان المناطق الثائرة متذرعة تارة بمسوغات طائفية لا أساس لها أو باتهامات بالعمالة (الاندساس) والإرهاب طالت الملايين من المتظاهرين السلميين تارة أخرى.

على الجانب الآخر، كانت الجماعات المسلحة ذات الفكر المتطرف قد بدأت في الظهور أو تم صناعتها بغية الهيمنة على أجزاء واسعة من المناطق الخارجة عن سلطة النظام التي كانت الفصائل السورية المسلحة قد نجحت في تحريرها، مدعومة بآلاف المقاتلين الوافدين من خارج سوريا وأُعلن فيما بعد عن تشكيل ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إضافة لجبهة النصرة وتنظيمات راديكالية أخرى. وقد تبنت هذه التنظيمات في مناطق نفوذها سياسة إقصائية ضد كافة المكونات المدنية والثورية ومارست القتل والاعتقال والترهيب والقمع الممنهج فارضة مرحله جديدة من الاستبداد، بل ونافست النظام أحيانا في شدة العنف ومصادرة الحريات.

كان المنعطف الأخطر في الثورة السورية هو التدخل المباشر لروسيا إلى جانب نظام الأسد (الذي كان قد فقد السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية)، فقدمت دعما عسكريا مؤثرا مترافقاً مع غطاء ودعم سياسي غير محدود في كل المحافل الدولية مما زاد من تعنت النظام وأجهض كافة المساعي باتجاه الانتقال السياسي المنشود. حيث شاركت روسيا بشكل مباشر في قصف المناطق الثائرة التي فرض عليها النظام حصاراً خانقاً مما أخل بميزان القوى وأجبر سكانها الصامدين لسنوات في أرياف دمشق ودرعا وحمص وحماة وحلب بالإضافة لشرق مدينة حلب على الرضوخ والاستسلام ودفعهم إلى الهجرة من مناطقهم بموجب اتفاقيات مذلة سميت بالمصالحات.

لقد شكّل ظهور وهيمنة الطروحات المتطرفة على جزء مهم من الساحة الثورية فرصة سانحة –للأسف- للمجتمع الدولي للتنصل من مسؤولياته الأخلاقية تجاه معاناة السوريين، فلم تعد جرائم نظام بشار ضد المدنيين الأبرياء أولوية للتدخل.

سخّر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية موارد كبيرة لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتطرفة على الأرض السورية –كما بدا المشهد- متغافلا عن ممارسات النظام الإجرامية وانتهاكاته الجسيمة، ومع انحسار هيمنة تنظيم الدولة الإسلامية ساهم الغرب في هيمنة الفصائل المسلحة الكردية في شمال شرق سوريا كحليف في الحرب على تنظيم الدولة الأمر الذي نتج عنه تدخل عسكري تركي مباشر على الأرض وتشكيل مناطق نفوذ تركية في شمال وشمال شرق سوريا.  

تنقسم الأراضي السورية اليوم (2019م) الى مناطق نفوذ منفصلة تهيمن عليها القوى المحلية والإقليمية والدولية، حيث تسيطر المليشيات الكردية الانفصالية على أجزاء من شمال شرق سوريا مدعومة من قبل الولايات المتحدة مع تعرضها للهجوم من قبل تركيا، على حين تسيطر كتائب من الجيش الحر (الجيش الوطني) مع القوات التركية على مناطق شمال حلب وعفرين، وترزح أغلب مناطق ادلب وريف حلب الغربي والجنوبي تحت الهيمنة شبه الكاملة لتنظيم جبهة النصرة مع سيطرة ثانوية جدا لفصائل من الجيش الحر. تخضع معظم الأراضي السورية لهيمنة قوات النظام والمليشيات الداعمة لها مع إيران وروسيا.

 بعد ارتقاء ما يزيد عن مليون شهيد، مازال عشرات الآلاف من السوريين في معتقلات الأسد، ويعيش أكثر من 12 مليون سوري مهجرين خارج مناطقهم، منهم 6 ملايين لاجئ خارج سوريا شكل وجودهم مشاكل واضطرابات داخلية في دول اللجوء المختلفة والتي أصبحت اليوم تسعى للتخلص من هذا العبء من خلال قبول أية تسوية تعيد هؤلاء اللاجئين إلى سوريا، بالرغم من أن مسوغات لجوئهم ما زالت قائمة.

وتوافق ذلك مع العجز والإفلاس الكاملين للأمم المتحدة عن تحقيق أي تقدم باتجاه إيقاف الانتهاكات الجسيمة للنظام أو دفعه إلى التجاوب مع مطالب الشعب السوري، مما جعلها في دائرة الاتهام المحق بالإهمال والتحيز من قبل كثير من السوريين وصولا إلى وصم وكالاتها وموظفيها في دمشق بالتعاطف مع النظام وتقديم الدعم لمؤسساته بل ولجيشة ومليشياته أحيانا.

وبعد أكثر من تسع سنوات من المعاناة، ما زال الشعب السوري في كل مكان يتطلع نحو دولة المواطنة والكرامة ذات السيادة الكاملة، مع القناعة الراسخة بأنها مرهونة جزما بجهود السوريين أنفسهم وأن إرادة التغيير لم ولن تتحقق من خلال استجداء المجتمع الدولي أو الدول التي ادعت دائما أنها صديقة للشعب السوري.

 

المادة الثانية: التعريف والمبادئ الأساسية:

انطلقت الثورة السورية في آذار عام 2011 بشكل سلمي لتحقيق تطلعات الشعب السوري في إجراء إصلاحات سياسية وحقوقية حقيقية وجذرية بعد نحو أكثر من أربعة عقود من القهر والاضطهاد السياسي والاجتماعي والفكري.

إلا أن تلك التحركات السلمية وُوجهت –كما سلف بيانه- بالقوة المسلحة المفرطة لأكثر من ستة أشهر، الأمر الذي دفع الثورة دفعا إلى الانتقال من التحرك السلمي الصرف إلى الحراك المسلح، لتتحول بذلك سورية إلى ساحة لصراع بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى. كما أن التدخل الانتهازي المتصاعد للجماعات المسلحة المتطرفة أفقد الثورة الكثير من السند الدولي الذي حظيت به إبان انطلاقتها، فآلت بذلك الحالة السورية بعد نحو تسعة أعوام من النضال إلى صورة مشوهة تتكون من فصائل مسلحة ضعيفة العدة والعتاد منقسمة على نفسها وتسيطر على مناطق محدودة، وأخرى مدرجة تحت تصنيف الإرهاب ويستهدفها تحالف دولي عريض، وبينهما شعب انقسم بين التشرد والتهجير الداخلي وبين اللجوء الخارجي في أنحاء متفرقة من العالم، فيما أنتجت الممارسة السياسية على صعيد المعارضة نوعاً من انسداد الأفق حال دون إيجاد صيغة توحد السوريين على رؤية وطنية واحدة لا يعتريها التمييز ولا التهميش، وذلك –للأسف- أتى أو كاد على الزخم الثوري الذي أفضى إلى كسر حاجز الخوف وإزالة القيود الفكرية في وجه التعبير الحر عن الرأي والمطالبة بالحقوق والعدالة.

في ظل هذا الواقع المتشظي بشدة، تنادى مجموعة من ناشطي المجتمع السوري -على غير رابط فكري أو عقائدي أو مناطقي يجمعهم- إلى إطلاق نقاش وطني حر بمنظور جديد، منطلقين من قناعة راسخة بعدم جدوى حمل السلاح ولا المقاربات الطائفية المؤدلجة والتي أثبتت أنها لا تفضي إلا لإعادة إنتاج أزمة البلد وتعميق عوامل تمزيقه وإطالة أمد النزاع فيه، ومنطلقين من مبدأ استشعارهم للمسؤولية الوطنية تجاه الشعب السوري وأجياله القادمة الممتدة، وعازمين على العمل على تغيير الحالة السورية الحالية المعقدة والمشوهة، وذلك من خلال التأسيس لمبادرة لحركة وطنية تقدم طرحاً جديداً يتبنى كل الوسائل الممكنة والمتاحة وينتهج الحوار الفكري المفتوح بين جميع أفراد ومكونات الشعب السوري بأطيافه وكياناته وانتماءاته المختلفة داخل وخارج سوريا، بشكل حر وآمن، في جو يسوده احترام الرأي والرأي المخالف دون إقصاء أو تهميش. استعرضت المجموعة من خلال النقاش الحر المذكور، وبشكل موضوعي متجرد، أهم النقاط المفصلية والحساسة والتي تتمحور حولها الأزمة السورية، بغرض تحقيق التقارب المنشود بين مختلف الطروحات والرؤى الوطنية وصولاً لحالة اصطفاف وشراكة وطنية حقيقية مؤثرة تفضي لاتفاق على صيغة وطنية جامعة.

 

وفي سبيل ضمان اتساق هذه المبادرة وتعزيز فرص نجاحها، توافق مؤسسوها على تبني المبادئ الأساسية التالية:

  • اعتماد مبادئ المحاسبة والمسؤولية والشفافية بين مؤسسي ومتبني المبادرة من جهة وبين الشعب السوري من جهة ثانية بما يضمن وبشكل دائم ترجيح المصلحة الوطنية السورية العليا واتخاذ المواقف الصريحة التي تتطلبها استحقاقات الشأن الوطني السوري حتى وإن تعارضت مع الأجندات أو المصالح الشخصية أو الإقليمية أو الدولية …
  • العمل المخلص على توفير الموارد والأدوات التي يتطلبها إنجاح المبادرة بشكل ذاتي وبما يضمن الاستقلالية والنأي عن جميع أشكال الابتزاز والتأثيرات الخارجية، والعمل على حسن استغلال هذه الموارد بشكل فعال دون هدر، وفق الأسس المحاسبية المتعارف عليها.
  • إشاعة روح التعاون ونكران الذات بين أفراد المبادرة، وعدم الانجرار وراء المصالح أو الطموحات الفردية ولا خلف الخلافات الشخصية كذلك، في إنكار كامل للذات لإعلاء مصلحة البلد العليا على كل ما سواها.
  • اعتماد المواطنة كأرضية مشتركة وأساس يجمع السوريين بغية إعادة بناء الوطن على أسس الحرية والمساواة والكرامة والاحترام المتبادل.

وفي هذا الإطار، يدعو مؤسسو هذه المبادرة كل فرد صادق وحر ونزيه من أفراد الشعب السوري داخل الوطن وخارجه إلى الانضمام لهذه المبادرة والمشاركة في مسؤولية تأسيس مسيرة نضال جديدة لبناء وطن الحرية والكرامة والمساواة والعدالة.

 

المادة الثالثة: رؤية المبادرة:

مجتمع سوري فاعل وممكّن من أداء دوره الكامل في المشاركة الحرة والعادلة في بناء الدولة السورية الجديدة التي تضم كل السوريين دون تمييز وتحكمها المؤسسات، ويراعى فيها الفصل بين السلطات، وتقوم على أسس المواطنة والديموقراطية.

المادة الرابعة: الأهداف والغايات:

  • الهدف الجامع: تسعى المبادرة لتأسيس حركة وطنية مدنية تشارك في بناء دولة المواطنة والحقوق القائمة على أسس قيمية تتمثل بالعدالة والحرية والتشاركية.
  • غايات المبادرة:
  • مجتمع سوري متعايش مبني على قواعد الاحترام المتبادل ومبادئ المواطنة، يتمتع فيه المواطن السوري بحقوقه المشروعة كاملة وحرياته الأساسية.
  • دولة مدنية ديموقراطية تتبنى نهج التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وفق الإرادة الحرة لعموم السوريين، وتسعى لتحقيق تطلعاتهم في الأمان والاستقرار والرخاء المساهمة الفعالة في الحضارة الإنسانية (الملحق).
  • مؤسسات محترفة وفعالة تحترم التخصص، وتعمل بتناغم لتحقيق التنمية الشاملة للأرض والإنسان، وتعتمد على قواعد الشفافية والنزاهة والتخطيط، وتخضع لأصول المساءلة والمحاسبة.

المادة الخامسة: القيم الجامعة

تنطلق المبادرة من وحدة الشعب السوري والتشارك في البذل في سبيل التطلعات المشتركة. وفي تجديد مسعانا للتغيير الديمقراطي، لابد من تأكيد التزام المجتمع السوري بقيم جماعية وشخصية تشكل جزءاً من مناعتنا المجتمعية وترسّخُ تماسكنا الوطني.

إن تأكيد تبني جميع شرائح المجتمع السوري للقيم الوطنية الجامعة وتمسك قواه الفاعلة بها والانطلاق منها كقيم عليا يعتبر السبيل الوحيد لإعادة بناء البلد والمجتمع وتعزيز اللُحمة الوطنية والترابط الاجتماعي في سورية الجديدة التي يتشارك جميع أبنائها في بنائها والسعي لتقدمها.

وتتمثل جميع القيم الوطنية الضرورية لبناء مجتمع المواطنة المنشود بثلاث قيم جامعة، هي: العدالة – الحرية – التشاركية (في الملحق)

المادة السادسة: نطاق عمل المبادرة ونواظمها العامة:

إن العمل على التجسيد الفعلي لهذه المبادرة يتطلب بناء وتعزيز القوى المجتمعية والتنسيق بينها، وتشمل هذه القوى:

  • المواطن الفرد المتمتع بالحرية والكرامة والتمكين العلمي في فضاء العمل الفاعل والعطاء، بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو انتمائه السياسي أو الفكري أو الديني …
  • المنظمات المجتمعية: تسعى التجمعات المجتمعية المنظمة، غير الربحية وغير الحكومية، إلى زيادة التمثيل المباشر في هيئات صنع القرار، وتعزيز الإصلاح الاجتماعي بشكل عام. وهي مكون أساس لتعزيز معايير الحكم الرشيد (كالشفافية والفعالية والانفتاح والاستجابة والمساءلة)، وذلك عن طريق:

1- تحليل السياسات والمناصرة

2- تنظيم ومراقبة أداء الدولة

3- بناء رأس المال الاجتماعي وتمكين المواطنين من تحديد وتوضيح قيمهم ومعتقداتهم وأعرافهم المدنية وممارساتهم الديمقراطية

4- حشد دوائر معينة (لا سيما الفئات المستضعفة والمهمشة من الجماهير) للمشاركة بشكل أكبر في السياسة والشؤون العامة

5- العمل الإنمائي لتحسين رفاهية المجتمعات وحماية حقوق الإنسان.

  • القوى السياسية المتمثلة في الحركات والأحزاب والتنظيمات السياسية والتي تتنافس بشكل حر وشريف على نيل ثقة الشعب والتميز في خدمته وتحسين شروط حياته بكل جوانبها.
  • مؤسسات الدولة السيادية والخدمية (الوزارات والهيئات والمؤسسات) المخولة بأداء واجباتها الدستورية في خدمة الوطن والمواطن. وفي هذه المؤسسات، يجب أن يعي المتمتعون بالسلطات والصلاحيات أن هذه الأخيرة إنما منُحت لهم لوجودهم في تلك المؤسسات، وأنهم جزء من المجتمع ويعملون على تحويل الإرادة الشعبية التي وضعتهم في موقع المسؤولية إلى واقع خدمي وسياسي واجتماعي منسجم مع تطلعات الشعب ولا يتعارض مع مشتركاته وعقده الاجتماعي.

إن تآزر هذه القوى الأربع مجتمعة وتناغمها يعتبر ضرورة ملحة يفرضها الواقع السوري الحالي، غير أن القسط الأوفى في هذه المرحلة يقع على عاتق القوى الاجتماعية والمؤسسات المدنية لخلق حالة من الوعي بأهمية الحوار والعمل المدني لإيجاد واقع اجتماعي وسياسي يلبي طموحات الشعب السوري في العيش المشترك في وطن يحتضن الجميع ويغتني بهم. وفي سبيل ذلك تعيينا، كانت مبادرة العديد من الجهات المدنية والشخصيات الوطنية وقادة الرأي السوريين لملء الفراغ وتعزيز الجهود الهادفة إلى بناء سورية الجديدة، وهذا تماما هو جوهر مبادرة المساحة المشتركة.

 ستعمل هذه المبادرة في الفضاء الوطني العام الذي يؤسس لمجتمع تعددي ديموقراطي ليس فيه استبداد ولا قهر. ويعي القائمون عليها أن العمل في هذا الفضاء هو الواجب الأكبر في هذه المرحلة لأن فيه تجسيرا للهوة بين الاهتمام بالشأن العام دون الفعل الناجز وبين العمل السياسي المباشر (بمعناه الحزبي)، من خلال إيجاد بيئة تعددية تُؤسًّس على عقد اجتماعي جامع، وتفسح المجال للتعبير عن إرادة المواطن السوري وتحقيق تطلعاته.

ستسعى هذه المبادرة إلى التوعية بأهمية التأسيس على المشتركات الوطنية دون صدام أو ازدراء للخصوصيات الثقافية والدينية والفكرية، وتجذير الهوية الوطنية الجامعة في نفوس السوريين، وإعلاء شأن المواطنة المتكافئة كسبيل للخروج من عنق الزجاجة الذي فُرض على السوريين الدخول فيه، وضرورة فتح قنوات الحوار البناء بين مختلف المرجعيات وتوسيع مساحات التوافق بين مختلف الرؤى والأفكار لتقليص مساحات التناقض والتطلعات المحدودة لصالح المشتركات الوطنية الجامعة. كما تؤكّد المبادرة على أنَّ توسيع الدور الحيوي والفاعل للمجتمع المدني السوري بطيفه الواسع، وضمان انخراطه في مساحة المشتركات الوطنية الجامعة كفيل بإيلاء الاحترام لكل أصحاب الرؤى بما يوفّر المناخات الضرورية للتعريف بكل الطروحات والأفكار في إطار من الحرية والمسؤولية، وأن هذا الدور يشكّل خدمة مؤكدة للمصالح الوطنية العليا.

وستسعى المبادرة كذلك للتعريف بتجارب مختلف الشعوب والمجتمعات في الانتقال من حالة التخندق حول التباينات الحادة إلى البناء على التوافقات الجامعة. وستسعى كذلك لتحفيز المجتمعات المحلية وتجمعاتها وقادتها للانخراط في الشأن العام وفق هذه المفاهيم، وأخذ دورها الوطني المأمول واللازم للوصول إلى وطن ديموقراطي يحترم الإرادة الحرة لعموم السوريين.

بناء على ما سبق، فإن هذه المبادرة هي فعل مدني وطني يسعى لإيجاد إطار وطني للحراك الاجتماعي والسياسي وخلق نواظم لتفاعلاته السياسة ومنافساته الحزبية لتبقى في مساحة المشتركات الوطنية التي تسع الجميع دون استثناء وتسعى لتحقيق مصالح الجميع دون تمييز. كما تهدف كذلك إلى تأمين السياق السياسي والوطني العام اللازم كي يتحقق التناغم بين جميع قوى المجتمع في سعيها لتأسيس واقع سوري جديد يعالج المظالم التاريخية للشعب السوري، ويداوي جراحاته، ويلبي تطلعاته التي ضحى لأجلها بالكثير من الدماء والمقدرات.

وبناء على ذلك، فمن الطبيعي وجود تعاون وثيق مع القوى السياسية الراغبة في دعم غايات المبادرة وإنجاز أهدافها، فلا شيء يمنع من حيث المبدأ من وجود منتسبين للقوى والحركات السياسية في أجسام المبادرة طالما بقي التعاون وتكامل الجهود في إطار غاياتها الجامعة للسوريين وبما يحفظ للمبادرة خصوصيتها ودورها ولا يحرفها عن تطلع أعضائها، وذلك بأن تأخذ المبادرة دور القاطرة في تفعيل دور المجتمع المدني السوري في تنسيق مختلف الجهود والأنشطة والفعاليات والممارسات السلمية المشروعة لإنجاز الأهداف التي وضعتها المبادرة وصولاً إلى غاياتها الكبرى والحفاظ على المكتسبات المتحققة في هذا المجال. وعليه تُعتَبر المواقف المتخذة ضمن المبادرة وفق الآليات المعتمدة  للحوار الداخلي واتخاذ القرار ملزِمةٌ للمنضوين فيها.

وبناء على كل ماسبق، فإنه يمكن اعتبار المبادرة بحق استجابة من أعضائها للواجب الوطني تجاه مقتضيات الواقع الراهن والتي تفرض تحقيق أكبر قدر من الانسجام والتوافق فيما بينهم. ووعياً منهم بأهمية الدور المدني الوطني في هذا الظرف الاستثنائي الضاغط، فإنهم سيركزون على غايات المبادرة الثلاثة، بحيث تحافظ جميع أنشطتها وجهودها على لعب دور العامل المدني الضاغط باتجاه التلاقي السوري، محتفظة بكامل المرونة لاستخدام كافة الأدوات السلمية والسياسية المتاحة لتحقيق التغيير المنشود.

 

المادة السابعة: ملحقات وتعريفات:

 

العدالة:

هي القيمة الأهم التي تسعى المبادرة لتكريسها داخل مفاصل المجتمع السوري كافة ودولته المأمولة القادمة.

وفي هذا المجال تنطلق المبادرة من ملف العدالة الانتقالية التي تتصدر اهتمامات المجتمع السوري الباحث عن الانصاف كحق لا يسقط بالتقادم للملايين من السوريين الذين تعرضوا للانتهاكات، وتعي أن العدالة الانتقالية هي من أبرز التحديات التي ستواجه مبادرات الانتقال السياسي مما يستدعي حوارا مكثفا وتفهما من السوريين جميعا، كما ترى أنها يجب أن تكرَّس كعامل إيجابي لتحقيق الانتقال السياسي المنشود.

إن المسار الطويل للعدالة الانتقالية يبدأ أولا من الإيقاف الفوري للانتهاكات بكل أنواعها والاعتراف بحقوق المتضررين وما تعرضوا له من ظلم وتعسف وحقهم بالتعويض وجبر الضرر مع وجود آليات قضائية عادلة وقادرة على محاسبة المجرمين، مرورا بتبني مبادرات لحفظ الذاكرة المجتمعية فيما يخص شناعة الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي عايشها المجتمع السوري

وصولا إلى مبادرات الانصاف للمجتمعات المتضررة من خلال مشاريع التنمية والتطوير.

 

الحرية:

لا تتبنى المبادرة منهجا إيديولوجيا محددا فيما يخص الحريات الشخصية للأفراد والمجموعات وتترك تقرير ذلك للسوريين أنفسهم للاتفاق عليه ضمن آليات ديمقراطية شفافة في بيئة آمنة وسلمية تضمن كرامة الإنسان وتطوره.

 

ترى المبادرة أن الحرية السياسية ينبغي أن تضمن:

-الحق الكامل لكل مواطن بالمشاركة في عملية صنع القرار على جميع المستويات.

-الالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة.

-تكريس مبدأ فصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية.

-تحييد المؤسسات العسكرية والأمنية عن موقع قيادة الدولة والمجتمع.

-ضمان حرية التعبير السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية.

-ضمان سلمية الممارسة السياسية.

 

التشاركية:

تنظر المبادرة إلى هذه القيمة على أنها ضمان الحق الكامل للسوريين في المشاركة السياسية والمجتمعية في عمليات التخطيط والبناء والمحاسبة تحقيقاً للمواطنة، وتعتبر أن الهُويّة الوطنية السورية هي الهُوية الوحيدة الجامعة لكل السوريين، مع احترام تنوّع وتعدّد انتماءات السوريين تحت هذه المظلة الجامعة.

الدولة المدنية:

تتبنى المبادرة تعريف الدولة المدنية كمفهوم مجرد، تشترك في فهمه جميع المذاهب السياسية على تباينها ، ومضمونها: الدولة غير العسكرية التي تقوم على إسناد السلطة السياسية للشعب، وبالتالي فان السلطان (الرئيس، الحاكم، رئيس الوزراء ..) فيها نائب ووكيل عن الشعب ، للأخير حق تعيينه ومراقبته ومساءلته وعزله. والدولة المدنية لا ينفرد بالسلطة السياسية فيها فرد أو فئة دون الشعب ، ولا يدعي فيها الحاكم أنه يستمد سلطته من الإله مباشرة، كما لا يسخّر الطبقة الدينية أو العسكرية في المجتمع لدعم وتسويغ حكمه التسلطي الانفرادي.